الحنين ندبة في القلب ، وبصمة بلد على جسد، لكن لا أحد يحن إلى جرحه، لا أحد يحن إلى وجع أو كابوس، بل يحن إلى ماقبله، إلى زمان لا ألم فيه سوى ألم الملذات الأولى التي تذوّب الوقت كقطعة سكر في فنجان شاي، إلى زمان فردوسي الصورة. والحنين نداء الناي للناي لترميم الجهة التي كسرتها حوافز الخيل في حملة عسكرية، هو المرض المتقطع الذي لا يُعدي ولا يميت، حتى لو اتخذ شكل الوباء الجمعي. كُلنا مصابونَ بالحنين. هو دعوة للسهر مع الوحيد، وذريعة العجزِ عن المساواة مع ركاب قطار يعرفون عناوينهم جيدا، وهو ما يجمع لأحلام الغرباء من مواد مصنوعة من شفافية اللاشيء الجميل، و يُحمِّص لهم بُنَّ اليقظة. ونادرا ما يأتي صباحا. ونادرا ما يتدخل في حديث عابر مع سائق تاكسي. ونادرا ما يتطفل على قاعة المؤتمر، أو على الموعد الأول بين أنثى و ذكر. هو زائر المساء، حين نبحث عن آثارك في ما حولك ولا تجدها، حين يحط على الشرفةِ دوريٌّ يبدو لكَ رسالة من بلد لم تحبه وأنت فيه، كما تحبه الآن وهو فيه. كان معنىً وشجرة وصخرة ، وصار عناوين روح و فكرة ، وجمرةً في اللغة. كان هواء وتراباً وماءً ، وصار إلى قصيدة. فالحنينُ قصيدة..!! الحنين أنين الحق العاجز عن الإتيان بالبرهان على قوة الحق أمام حق القوة المتمادية.
- شعراء المهجر بين الحنين الى الوطن وقسوة الغربة .. تعرف علي أبرز قصائدهم | ثقافة | وكالة أنباء سرايا الإخبارية - حرية سقفها السماء
- تعريف شعر الحنين إلى الأوطان | المرسال
شعراء المهجر بين الحنين الى الوطن وقسوة الغربة .. تعرف علي أبرز قصائدهم | ثقافة | وكالة أنباء سرايا الإخبارية - حرية سقفها السماء
وفي أبيات له يقول عبد الرحمن الداخل أيضًا:
أيها الراكب الميمِّمُ أرضي * أقر من بعضي السلام لبعضي إن جسمي كما تراه بأرضٍ * وفؤادي ومالكيه بأرضِ قُدِّرَ البينُ بيننا فافترقنا * وطوى البينُ عن جفونيَ غَمضِي قد قضى الله بالبعادِ علينا * فعسى باقترابنا سوف يقضي
هذه الأبيات يتوجه الشاعر فيها إلى المسافر الذي يذهب إلى المشرق، ويطلب منه عبد الرحمن أن يوصِّل سلامَه إلى أحبته في تلك البلاد؛ لكنه يستخدم تعبيرًا عجيبًا، فيقول:
…. …. * أقرِ من بعضي السلام لبعضي
فالذين تركهم هناك هم بعضه، ووطنه الذي نشأ فيه ونشأت فيه دولة أجداده وآبائه هذا الوطن أيضًا هو بعض منه. إن جسمي كما تراه بأرضٍ * وفؤادي ومالكيه بأرضِ
في هذا البيت تعبير عن هذا الإحساس الشديد بالاغتراب والحنين إلى الوطن؛ فجسمه في أرض الأندلس؛ لكن فؤاده والذين يملكون هذا الفؤاد في أرض أخرى هي بلاد المشرق؛ فعبد الرحمن الداخل في هذه الأبيات التي يرى فيها غربته تشبه غربة النخلة، وهذه الأبيات الأخرى التي يبعث السلام فيها إلى أهله وإلى وطنه الذي رحل عنه، وتركه هي في الحقيقة أبيات تحمل معاني الحنين إلى الوطن، وإلى الأهل، وتعبر عن هذا الاغتراب الذي كان يحس به، هذا البطل الفارس الذي أقام للأمويين ملكًا جديدًا في بلاد الأندلس، بدل الملك الذي فقدوه في بلاد المشرق العربي.
حَقًّا، بلادي وإنْ جارتْ عليَّ عزيزة، هذا إذا جارت، فما بالنا إن لم يتعدَّ أهلُها، ولم تجُر، فلم ولن يَقْدِر الإنسانُ على التنكُّر لوطنه، وطرْد حُبِّه له مِن جَنَانِه، وكيانِه. وكثيرًا ما يَغْضَب المرءُ، ولكنه سرعان ما يحنُّ إليه، ويئنُّ مِن وطأة الاغتراب ذاكرًا مآربَ قضاها الشباب هنالك، فتُثمر تلك الذكرى أفانينَ مِن الصُّوَر، تسيل رقةً، وتمُوج عذوبة وسلاسة. وأوضحُ دليلٍ في الحنين إلى الوطن وأبْيَنُه، حالُ سيِّدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عندما خرج مهاجرًا - من مكة إلى المدينة، إذ لم يكَدْ يبتعد عن معالمها، حتى وَلَّى وجهَه شطرَها، قائلًا: ((يا مكة، لأنتِ أحبُّ بلاد الله إلى الله، ولأنِت أحبُّ بلاد الله إليَّ، ولولا أن قومَك أخرجوني منكِ ما خرجتُ))، فنزل جبريل - عليه السلام - بقوله تعالى: ﴿ وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْنَاهُمْ فَلَا نَاصِرَ لَهُمْ ﴾ [محمد: 13] [1]. "فالحنين إلى الأوطان والأهل والأحباب، مِن رقة القلب وعلامات الرشد؛ لما فيه من الدلائل على كرَم الأصل، وتمام العقل. وقد بين الله - تعالى - فضْل الوطن، وكلَف النفوس به، في قوله تعالى: ﴿ وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا ﴾ [2] ؛ فجَعَل خروجَهم مِن ديارهم كُفْءَ قتلِهم لأنفسهم.
– الدکتور أبوالفضل یدالهی أصلان
– حامد فتحعلیاني
ملخّص البحث:
إنّ الحنين إلي الوطن قديمٌ في الشعر العربي ، عبّر به الشعراء عن تعلقهم بالأرض والأهل والذكريات ، كما وقف الشاعر الجاهلي عند رسوم قبيلة حبيبته و عبّر عن حرقة قلبه بالنسبة إلي تلك الأماكن الخالية ؛ « و ها هي ذي الرسوم تنجلي شيئاً فشيئاً في مخيلة الشاعر امرؤ القيس ، و تطفو علي سطح نفسه ، فترسم حدودها علي الرّمال المتموّجة في سقط. اللّوي بين الدخول فحومل فتوضح فالمقـراة »؛(1) و قد نصّ بعض الباحثون قديماً علي أن حنين الإبل يعني نزوعها إلي أوطانها و أولادها ، و كذلك حنين الإنسان.
(5)
و مـن يتصفح دواوين الجواهري يجد أنّ بين قصائده أبياتاً يتّجـهُ الشاعر فيها إلي الاتجاهين: هما اتّجاه الغربة الزمانيّة التي يحنّ الشاعر فيها إلي عصر ازدهار الأدب العربي فـي العصـر العباسي، فيقـول:(6)
لِغَيرِ زَمَانٍ كَوَّنَ الدَّهرُ نَزْعَتِي وَ كَـوَّنَ أعْصَـابِي لِغَيْـرِ بِلَادِي
و اتجاه الغربة المكانية و هو نتيجة أسفاره إلي أنحاء العالم متطوعاً أو مضطرّاً ، فهو من شرخ شبابه تذّوق بهذه الغربة.
تعريف شعر الحنين إلى الأوطان | المرسال
إنها معاناة روحية وجودية وضعت صاحبها بين مطرقة الضرورة وسندان الحبيب الأول (الوطن). ونحن في هذا المقال راصدون أشتاتا من تلك المعاناة المتجلية في الحنين إلى مرابع الصبا وحضن الأم وسماء الوطن فيما أنتجه أدباء المهجرين – الشمالي والجنوبي – لنرى كيف كان التجديد في الشكل حين ذابت الأصباغ وتلاشت المساحيق، وفي المضمون حين قبر الرياء الماكر والتقليد الأعجم، والانصراف عن الحياة وهموم الناس، وتطليق المسؤولية الأخلاقية للأديب في مغالبة الفساد ومصارعة الاستبداد وقهر الرجعية وقهر نزعة الردة إلى عصر المغارة. إن حب الوطن والحنين إليه والوفاء له هو المطهر من الإثم الذي يشعر به الأديب إن أصاب حظا من النجاح المادي والمكانة المرموقة في مجتمعه الجديد، إنه اللاوعي يتخلص من عقدة الذنب التي تسللت إلى نفس الأديب لرهافة حسه ونبل ضميره وصفاء فكره. زكي قنصل
وها هو زكي قنصل الأديب السوري الذي ولد بيبرود عام 1917 وهاجر إلى الأرجنتين، فهو من جماعة العصبة الأندلسية يحن إلى مرابع الصبا وأماكن اللهو في نضارة الطفولة اقرأ هذا المقطع وتذوق جماله الفني واستشعر شيئا من الأسى وقدر هذا الحنين من الشاعر إلى وطنه:
أيها الـعائدون للشام هلا ** نفحة من شمـيم أرض النبوه
علم الله كم صـبونا إليها ** واشتهينا تحت الـعريشة غفوه
أما نعمة قازان المولود في لبنان عام 1908 والذي استقر في البرازيل وكان من جماعة العصبة الأندلسية فهو كصاحبه يذكر التحنان ويقاسي وجع الغربة ويتعشق عهد الطفولة ويتمنى لو تطأ قدمه أرض وطنه لبنان.
6- ديوان الجواهري ، المجلّد الأول ، ص 367. 7-المصدر نفسه ، المجلّد الأول ، نشر بيسان ، ص 207 و 208 و 209. 8- المصدر نفسه ، ص 214. 9- الضمير الياء يعود إلي الريح الصبا التي جاءت في مطلع القصيدة:
جَدِّدي ريحَ الصَّبَا عَهْدَ الصَبَا وَ أعيدي فَالأحاديثُ شجُونُ
10- ديوان الجواهري ، المجلّد الثاني ، ص 523. 11- المصدر نفسه ، المجلّد الأول ، نشر بيسان ، ص 271. 12- المصدر نفسه ، ص 276. 13- المصدر نفسه ، المجلّد الرابع ، ص 203. 14- المصدر نفسه ، ص 204. 15- حسن العلوي ، حوار الكاتب مع الشاعر ، جريدة الجمهوريّة ، العدد 6212 ، بغداد ، ص 5. 16- ديوان الشاعر ، المجلّد الرابع ، دارالعودة ، ص 298 ، المظعنون = المبعدون ـ الظعن = الأهل و الوطن. 17- المصدر نفسه ، المجلّد الرابع ، نشر بيسان ، ص 204. 18- المصدر نفسه ، المجلّد الأول ، نشر بيسان ، ص 200. 19-المصدر نفسه ، ص 217. 20- المصدر نفسه ، ص 237. 21- المصدر نفسه ، ص 293.
سرايا - كانت الظروف الاقتصادية السيئة في بلاد الشام في فترة الحكم العثماني من أهم الأسباب التي أدّت بهؤلاء إلى الهجرة بالإضافة للاضطرابات السياسية والطائفية والحروب التي استنزفت البلاد و البشر في المناطق التي هاجروا منها. وكانت اقتصاديات الدول في القارتين الأمريكيتين تستوعب أعداداً كبيرة من العمال والمشاريع الجديدة مما جعل تلك البلاد وجهة للآلاف من المهاجرين من أرجاء سوريا ولبنان و فلسطين وأسسوا جاليات تعدّ الآن بعشرات الملايين في أميركا الشمالية (المهجر الشمالي) والجنوبية (المهجر الجنوبي).
- الحنين إلى الوطن.. إحساس صاغ أشعار «صقر قريش»
- متى ينطق الطفل ماما نورة
- اسعار مكائن الديزل
- أقوى رجل علي وجه الكوكب .. !! - YouTube
- الحنين - محمود درويش
- منيو ستار بکس الرياض
- بم عرف النبي ذا الوجهين
- شعر الحنين والغربة – – منصة قلم
- علاج حمى الضنك بالاكل
- شعر عن الحنين الى الوطن
- ايكيا مخرج ١٦
وللقُدماء كلماتٌ مأثورة في الحنين، ممَّا يدلُّ على نُبْل هذه العاطفة، وعُمْقها في النفس الإنسانية. قال أعرابيٌّ: لا تَشْكُ بلدًا فيه قبائلُك، ولا تَجْفُ أرضًا فيه قوابلُك [3] ، وقال آخرُ: ليس الإنسان أقنعَ بشيء منه بوطنه؛ لأنه يتبرَّم بكل شيء رديء، ويتذمَّم مِن كل شيء كريه، إلا مِن وطنِه وإنْ كان رديء التربة، كريه الغذاء، ولولا حبُّ الناس للأوطان، لَخَرِبَ أخابثُ الأرض والبلدان" [4]. وللعرب - خاصة الأندلسيين - نصيبٌ كبير، وحظٌّ وافر من الأشعار في هذا الفن، رابطين فيها بين الحنين إلى الأوطان، والحنين إلى الشباب وأيامه وذكرياته.