بين احتضار الطائفية واحتضار لبنان
|
الجمعة
09/04/2021
تحالف حزب الله وعون صفقة يصعب أن نجد فيها مصلحة وطنية (الأرشيف، المدن)
إن ما يجري اليوم في لبنان يذكرنا بما جرى ما بين سنة 1988 و1990؛ فمعروف أن عوناً كان سنة 1988 قائداً للجيش وفرض على أمين الجميل في نهاية ولايته تسميته رئيساً للوزراء، وإقالة حكومة الدكتور سليم الحص. وهذا الأمر أفضى إلى انشقاق البلد إلى دولتين، أو إلى نوع من الفيدرالية غير المعلنة. وكان الحص وعون نقيضين: الأول لا يعترف بالطائفية، والثاني أكبر صقورها في ذلك الحين. الأول أكاديمي اختاره الرئيس الياس سركيس لرئاسة الحكومة بعد أن خبره في مصرف لبنان وقدر فيه العلم والأخلاق، والثاني عسكري طائفي أبى أن تناط صلاحيات رئيس الجمهورية وكالة بمجلس وزراء يرأسه مسلم، فتولى رئاسة الحكومة بما يشبه الاستيلاء. ومنذ ذلك الوقت مضى الصراع بين الضدين: النهج الطائفي المتشدد والنهج المعادي للطائفية، النهج الذي يبغي تكريس الهيمنة المارونية السياسية، والنهج الذي يسعى إلى الدولة الحديثة المجردة من الطائفية. ولم يلبث النهج الأول أن حاول السيطرة على الدولة كلها وطرْد السوريين من لبنان في ما سماه حرب التحرير وتوحيد البندقية، فأخطأ الحساب ودفع ثمن خطئه إجلاءه من قصر بعبدا الذي اغتصب فيه صلاحيات رئيس الجمهورية وحاول تأبيد ذلك؛ على حين أن النهج الثاني سعى إلى أعادة الوحدة إلى الوطن ووقف هدر الدماء، وانتهى به المطاف إلى إقرار اتفاق الطائف الذي كان من الطبيعي أن يرفضه عون بشدة.
الطائفة، الطائفية، الطوائف المتخيلة
أصبح المجتمع السياسي في لبنان قائما على طوائف تؤلف كل منها كيانا ذاتيا، صار كل منها عضوا في الدولة، لا يتمتع فقط باستقلال تشريعي وقضائي وإداري، إنما تشترك عبر ممثليها في تكوين إرادة الدولة، من خلال المؤسسات الدستورية التي تشارك في تأليفها وتسييرها. بعد الجزء الثاني الذي تابعنا فيه البدايات التاريخية لتشكل الطائفية في لبنان، في هذا الجزء الثالث، نواصل ذكر بعض الأسباب التي كرست الطائفية في بلاد الأرز، من العهد العثماني إلى ما بعد الاستقلال. إلى جانب المسلمين السنيين الموالين للعثمانيين، عرفت بلاد الشام في العهد العثماني كعادتها، تعددا مذهبيا كبيرا من حيث الانتماء الديني… هذا التعدد تركز في جبل لبنان وما أحاط به. فبينما سكن معظم السنيين المدن، استقرت المذاهب الإسلامية الأخرى (الشيعة، النصيرية، والدروز) في الجبال الريفية، وقد اختلف ولاؤها للدولة باختلاف الظروف التاريخية. الدولة العثمانية تميزت بنظام يدعى نظام الملة، كان امتدادا لنظام أهل الذمة…
نظام الملة في الدولة العثمانية كان عائقا كبيرا أمام تمازج أبناء الطوائف المختلفة، ما شكل منفذا للدول الأوروبية لتعميق النزاعات الطائفية. الذي يعنيه أن جميع الرعايا العثمانيين من غير المسلمين، كانوا ينظمون في طوائف حسب مذاهبهم الدينية، كل منها يرعاها رئيس روحي، يفصل في قضايا أحوالها الشخصية، كما يمثل أبناء طائفته لدى سلطات الدولة.
الطائفية في لبنان: إلى ما بعد الاستقلال… خطأ تاريخي أم استمرار للعنة؟ 5/3 | Marayana - مرايانا
لونا دايخ, منى فواز, أحمد غربية, منى حرب
في هذه الورقة البحثية التي نشرتها مجلة Middle East Law and Governance ، يناقش كل من لونا دايخ ومنى فواز وأحمد غربية ومنى حرب أن "إدارة الوباء في لبنان تعكس توترًا بين الأحزاب السياسية القوية والمؤسسات العامة الضعيفة والمجموعات التضامنية ذات الأهداف المتباينة والتي تتصادم جميعًا حول تصوّرها لمستقبل البلاد. " الخلاصة: استغل العديد من البلدان، بما فيها لبنان، انتشار وباء كوفيد-19 لإعادة فرض سيطرتها وتعزيز أجهزتها البوليسية والقمعية، ضمن مشهدٍ لا يبدو سلسًا بتاتًا. نناقش في هذه الورقة ما تعكسه إدارة الوباء في لبنان من إعادة استنساخ للنظام السياسي الطائفي ومن توترٍ بين الأحزاب السياسية القوية والمؤسسات العامة الضعيفة والمجموعات التضامنية ذات الأهداف المتباينة والتي تتصادم جميعًا حول تصوّرها لمستقبل البلاد. وقد أسسنا قاعدة بيانات تضمّ الجهات الفاعلة على أنواعها وفئات عملها المختلفة على امتداد المواقع الجغرافية مستعينين بمصادر متنوعة من المعلومات (وسائل الإعلام الإخبارية الإذاعية والمطبوعة والإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي)، كما حلّلنا أوجه التباين النطاقية والسياسية لإدارة الوباء.
لبنان بلد الطوائف
فلبنان يجب أن ينتقل من الجمهورية الثانية إلى الجمهورية الثالثة، فالإصلاح لا ينفع إطلاقًا، إذ يحتاج لبنان إلى تغييرٍ شامل يبدأ بـ4 نقاط أساسية: تغيير الدستور، وتغيير نظامه السياسي، وتطبيق الديمقراطية الحقيقية، وحل قضية السلاح. تغيير الدستور
عندما سقطت الدولة العثمانية، وعُقد مؤتمر سان ريمون الذي كرّس الاستعمار الغربي ولكن بوجهٍ لطيف سُمي آنذاك بالانتداب، كان لبنان من ضمن حصة فرنسا، وكانت فرنسا عندما تولت إدارة لبنان في زمن جمهوريتها الثالثة، وهذه الجمهورية عكست بطبيعة الحال روحها على الدستور اللبناني الذي تم إقراره سنة 1926، فإن الدستور هو القانون الأعلى للبلاد وهو ما يحدد شكل الدولة في كل خصائصها البنيوية والسياسية والاقتصادية وشكل نظامها السياسي، ولكن هذا الدستور تم وضعه في ظروفٍ غير الظروف التي نعيشها اليوم. حين وضع الدستور، لم يكن التشنج الطائفي القائم اليوم بشكله المتوحش -الذي خرّب كل من العراق وسوريا ولبنان بنسبٍ متفاوتة- ولكن علينا أن نتنبه لأمرٍ خطير وهو أن الفرنسي حرص على أن يكون التشنج الطائفي ملاصقا للحياة السياسية في كل المنطقة، ولذلك فإن الدستور الذي وضعته فرنسا والذي مكّن المارونية السياسية التي كانت الأب الروحي له في حقبة الدولة العثمانية وُلد عاقًا وولّد معه آفاتٍ سياسية لا متناهية، هذا من جهة.
وقد جرت محاولات لإلغاء الطائفية السياسية، وفشلت جميعها، أبرزها تجربة الرئيس فؤاد شهاب الذي عمد في ستينيات القرن الماضي إلى تأسيس العديد من المؤسسات الاصلاحية (مجلس الخدمة المدنية، والضمان الاجتماعي، ووزارة التصميم، والمجلس التأديبي). ثم تجربة كمال جنبلاط صاحب الحركة الوطنية اللبنانية التي قدمت "البرنامج المرحلي للاصلاح". كما كان للجماعة الإسلامية عدة محاولات لإصلاح النظام اللبناني، باءت جميعها بالفشل. وهكذا استمرت الطائفية تتغلغل في المشهد السياسي اللبناني، وزادت من توحشها في الحرب الأهلية اللبنانية التي بدأت في 1975 إلى أن تمّ توقيع اتفاق الطائف عام 1989 الذي أنهى الحرب الأهلية حيث أقر اتفاق الطائف المناصفة بين المسيحيين والمسلمين في المجلس النيابي والحكومة، وموظفي الفئة الأولى. لكنه دعا في المقابل إلى ضرورة تشكيل هيئة وطنية تعمل على إنهاء الطائفية، وضرورة انتخاب اعضاء المجلس النيابي الثاني خارج القيد الطائفي، مع استحداث مجلس شيوخ للطوائف. غير أنه لم يطبق شيء من بنود الاتفاق على طريق الغاء الطائفية بل الذي حصل أن الاتفاق كرس بالنص التقاسم الطائفي والمذهبي للمواقع الرئيسية للدولة. ويعود سبب الإخفاق في القضاء على الطائفية لنمو الأحزاب الطائفية والمذهبية في العقود الماضية من ناحية ولعدم نجاح القوى التغييرية في إيجاد كتلة شعبية عابرة للطوائف أو للأحزاب الطائفية من ناحية أخرى، نظرا لحالة الصراع الشديد التي شهدها لبنان في السنوات الماضية، فضلا عن التدخلات الخارجية المستمرة وإذكائها الصراع الطائفي والمذهبي.
المدن - عن هراء "الأم والأخت والشريكة"
ترياق العمل السياسي في الكويت | الشرق الأوسط
لكن شاهين يرى أن الاضطهادات الدينية والطائفية، في خضم الانحطاط بعد تفسخ الدولة العباسية، منذ القرن الـ11م وحتى القرن الـ16م، ليست القاعدة التاريخية للطائفية الحديثة في لبنان. اقرأ أيضا: حركة الحشاشين…أخطر حركة ثورية عرفها التاريخ الإسلامي؟ 4/1
مع أنه لا يمكن، يستطرد متابعا، إهمال تلك التأثيرات البعيدة، خاصة وأن جبال لبنان استخدمت كملجأ للأقلية الهاربة من الاضطهاد، خصوصا في أوقات تقهقر الخلافة العربية وفي عصر المماليك. خلال عهد الصليبيين، قسمت المناطق اللبنانية إلى عدة إمارات… في هذه المرحلة تعددت التجزئة السياسية، وتعددت المذاهب الدينية، مما فتح الباب على مصراعيه للغزو الأجنبي. الذي حدث، يقول فتوني، أن الشعب الذي عانى الذل والفقر طوال قرون، لم يكن ليبالي إذا تغير الحاكم. هكذا، لعبت الفوضى السياسية والدينية دورا أساسيا في جعل الطائفية وسيلة تجميع لمعتنيقها. استخدمت جبال لبنان كملجأ للأقلية الهاربة من الاضطهاد، خصوصا في أوقات تقهقر الخلافة العربية وفي عصر المماليك. في هذه الفترة أيضا، لعب الصليبيون دورا مهما في إبراز الطائفة المسيحية، التي صارت تقف منذ ذاك على قدم المساواة مع الطائفيات الأخرى؛ السنية والشيعية والدرزية.
- الطائفة، الطائفية، الطوائف المتخيلة
- خريطة لبنان الطائفية
- نسبة جرثومة المعدة نهائيا
- حاسبة التمويل العقاري بنك البلاد
- بدر محمد المطيري
- خريطة الصراع الطائفي في العالم الإسلامي - ساسة بوست
- المدن - عن هراء "الأم والأخت والشريكة"
جاء هذا الغضب نتيجة تاريخٍ من الاحتقان السياسي الذي كان انعكاسه على الواقع الاجتماعي والاقتصادي. انفجر غضب الناس ونزلت إلى الشوارع، طبعًا هناك من يقول "إنها ثورةٌ مسيّرة" وهناك من يقول "إنها ثورةٌ مُخيرة"، ولكن الحقيقة تقول إن للشعوب ضميرًا، وحالة وجدانٍ تستيقظ في حالةٍ معينة من الزمن، وتغضب عندما لا تتحقق مصالحها. ورغم التبعية الحاصلة والمترسخة في الحالة اللبنانية، فهي تبعية ظاهرها طائفي وباطنها سياسي ونفعي خاص. ما حدث في 2005 أو 1975 أو 2019 ليس إلا نتيجة حتمية كون لبنان عالقًا فيما يُعرف بالجمهورية الثانية مصطحبًا معه دستورٌ عفن؛ تم كتابته في ظروفٍ سياسية واجتماعية مختلفة عن الواقع في كافة المجالات، وكما نعلم أن الدستور الحالي ومع تعديلاته التي لم ترتقِ لتحاكي الواقع المتغير بشكلٍ مستمر وسريع، فهو دستور فرنسي في جمهوريتها الثالثة. وحتى الآن لم يخرج أحد بفكرة أو نظرية -على الأقل- لا تقف عند حدود تشخيص الواقع، وتعطي حلولا جذرية تقوم بإصلاحٍ بنيوي للدولة المهترئة منذ نشأتها؛ فكل من يدعي الإصلاح وإعداد البرامج الإصلاحية هو كمن يعطي مادة المورفين لجسدٍ أكله السرطان يفصله سويعاتٍ قليلة عن الموت الأبدي.
سياسة 25 تشرين الأول, 2021 - 12:03 ص خريطة لبنان هذه الأيام: دولة ضعيفة قريبة من الانهيار، وأحزاب وهيئات سياسية قوية وتزداد قوة، وشعب يحلم بالهجرة هرباً من العيش من دون الحد الأدنى ووصول شرائح منه إلى حافة الجوع. ولمّا كانت الهجرة تزداد صعوبة فإن المواطنين يتقرّبون من الأحزاب أكثر من أي وقت مضى، ليس طلباً للدعم المعنوي أو قناعة بالأفكار بل طلباً لرواتب أو مساعدات منتظمة تقيهم الجوع. هكذا نرى الأحزاب يتضخّم عدد المنتسبين إليها فيما تبقى قلة من المواطنين خارج الإنتماء الحزبي، ليس لها سوى دولة عاجزة ومجتمع يزداد قسوة وانقساماً. هذه القلّة تحتاج صرخة يومية لإنقاذها، بل حتى دعوة إلى دول شقيقة وصديقة لدعم هذه الفئة المهملة. وحين نقول أحزاباً وهيئات سياسية هذه الأيام فهي موصومة بالطائفية على الرغم من خطابها العام. يستوي في ذلك الحزب الطائفي النشأة والحزب الذي دفعه واقع الحال إلى قصر نشاطه على طائفة معيّنة تشكّل عصبيته الأولى. والطوائف اللبنانية في حال انكفاء، اكتمل أو لم يكتمل بعد، فثمة طوائف عصيّة على الانصياع إلى عصبيتها وقطع الصلة مع الطوائف الأخرى في الوطن، لكنّها بسبب الانهيار الثقافي والإجتماعي والإقتصادي بدأت تتقبّل تصغير نفسها إلى مجرّد طائفة تأنس بعصبيتها ولا تحتاج مشاركة طوائف أخرى.
النظام الاستبدادي قد يولد في مجتمع واضح لديه الهوية والانتماء وتحكمه قواعد من القانون، أما الطائفي فهو يولد في المجتمعات التي تفتقر إلى نضوج في مفهوم الهوية والانتماء والشعور بالمصير الواحد. يضاف لذلك أن النظام الطائفي يأتي بعد مرحلة النظام القبلي أو العشائري الذي يسود المجتمع في طور التحول والصيرورة نحو الدولة التي تنصهر فيها القوميات والأعراق في بوتقة الدولة الحديثة. وها نحن في لبنان لم نتخط مرحلة الطائفية في العبور نحو الدولة الحديثة التي يشعر من خلالها الفرد بانتمائه للوطن. ومن هنا لا تنشأ الطائفية في الغالب إلا في مجتمعات ما قبل تكوين الدولة. ولا أدل على تخلف النظام الطائفي عن مرحلة الدولة من مصادرته لمبدأ المساواة الكاملة بين المواطنيين لا سيما ما يتعلق بتكافؤ الفرص، وهو المبدأ الذي يضعه الدستور في رأس مقوماته.
" النظام الإستبدادي قد يولد في مجتمع واضح لديه الهوية والإنتماء وتحكمه قواعد من القانون، أمّا الطائفي فهو يولد في المجتمعات التي تفتقر إلى نضوج في مفهوم الهوية والإنتماء والشعور بالمصير الواحد "
ويجد المراقب أن النظام الاستبدادي يتسم بحالة من الشرخ والكره والخوف المتبادل بين الشعب والنظام، لأن كلا منهما يكون في صف على النقيض من الآخر، وأن النظام الطائفي تشوبه حالة من التداخل والتكامل والتغذية المتبادلة بين القادة السياسيين والقواعد الشعبية المنتجة للطبقة السياسية الموجودة.